من سلسلة موضوع اليوم:
الفـســـــاد الأخـــــلاقــــــي
تعريف الفساد :
الفساد في معاجم اللغة هو من " فسد " ضد صَلُحَ و" الفساد " لغة البطلان، فيقال فسد الشيء أي بطُلَ واضمحل، ويأتي التعبير على معانٍ عدة بحسب موقعه. التعريف العام لمفهوم الفساد عربياً بأنه اللهو واللعب وأخذ المال ظلماً من دون وجه حق، مما يجعل تلك التعابير المتعددة عن مفهوم الفساد، توجه المصطلح نحو إفراز معنى يناقض المدلول السلبي للفساد، فهو ضد الجد القائم على فعل الائتمان على ما هو تحت اليد " القدرة والتصرف " ..
ويعرف معجم أوكسفورد الإنكليزي الفساد بانه " انحراف أو تدمير النزاهة في أداء الوظائف العامة من خلال الرشوة والمحاباة ". وقد يعنى الفساد : التلف إذا ارتبط المعنى بسلعة ما وهو لفظ شامل لكافة النواحى السلبية في الحياة.
أنواع الفساد :
يصنف الفساد في الأنواع التالية :
الفساد السياسي: إساءة استخدام السلطة العامة " الحكومة " من قبل النخب الحاكمة لأهداف غير مشروعة كالرشوة، الابتزاز، المحسوبية، والاختلاس.
جرائم الشركات: في علم الجريمة تتمثل جرائم الشركات أو الجرائم الاقتصادية في انحرافات " مالية أو إدارية " ارتكبت عن طريق شركة " كيان تجاري له شخصية قانونية مستقلة من أشخاص طبيعيين يقومون بإدارة أنشطتها "، أو من قبل أفراد بالإنابة. ومخالفة القواعد والأحكام المالية التي تنظم سير العمل الإداري والمالي في المؤسسة.
الرشوة وبيع الذمة ..
فساد البيانات أو فساد المعلومات ..
الفساد اللغوي ..
التعفن أو التحلل ..
ارتباط الفساد بالأخلاق :
وكلمة " فساد " مرتبطة في الذهن أساسا بالفساد الأخلاقي ، أما الفساد المالي، والسرقة ، وبيع الضمير، والمتاجرة بالأمانة، وغيرها فهي لا تحظى بنفس مستوى الرفض الذي يحظى به الفساد الأخلاقي؛ بل قد يُصنف الفساد المالي، والمتاجرة بالأمانات ، عند البعض ، على أنه ذكاء وفطنة وحسن تدبير ، وتجد المحتال يقبل على نفسه هذا النوع من الفساد ، لكنه يثور غضباً لو اتهمته بتهمة أخلاقية .
وقد تمّ اختزال " الفساد " وحصره في علاقة الرجل المحرمة بالمرأة، وكل ما يقود ولو على سبيل الاحتمال البعيد إلى هذه العلاقة ، وتهميش أي معنى للفساد يخرج عن هذا المفهوم ..
وتعد ظاهرة الفساد ظاهرة قديمة في المجتمعات الإنسانية لا تقتصر على شعب دون غيره .. أو دولة دون أخرى .. أو ثقافة دون ثقافة ..
وبالرغم من أن الأسباب الرئيسة لظهور الفساد وانتشاره متشابهة .. إلا أنانا يمكننا ملاحظة التفاوت في تفسير ظاهرة الفساد وتقييمها من شعب لآخر، تبعاً لاختلاف الثقافات والقيم السائدة في كل مجتمع ..
الإسلام يدعو إلى حسن الخلق
الأخلاق جمع خُلُق، والخُلُق اسم لسجية الإنسان وطبيعته التي خُلِق عليها وسمي بذلك لأنه يصير كالخلقة فيه .. والفساد الأخلاقي هو اختلال هذه السجية أو الخِلقة ..
وقد جاء الدين الإسلامي ليحافظ على هذا الخلق بمنهج يهدي إلى التي هي أقوم؛ لتصحيح العقائد.. وتهذيب النفوس، وتقويم أخلاقها، وإصلاح المجتمعات الإنسانية، وتنظيم علاقاتها، ونشر الخير والفضيلة بين البشر، ومحاربة الشر والرذيلة، وإعدام روح الفساد حتى لا يتمكن من التسلل إلى صفوفها؛ لذا فقد كانت الأخلاق الكريمة والفضائل والقيم السامية من أسمى ما دعا إليه الإسلام، وبعث من أجله الرسل والأنبياء ..
قال تعالى يصف رسوله الكريم : " وإنك لعلى خلق عظيم "
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بمكارم الأخلاق، فإن الله عزَّ وجلّ بعثني بها".
وقال أيضاً: "إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق".
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " البر حُسن الخلق "
وقال : " إن من خياركم أحسنكم أخلاقاً "
وقال: " إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم "
وقال عليه الصلاة والسلام : " أنا زعيم ببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه "
وقال : " إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً "
وقال : " ما من شيء أثقل في ميزان العبد المؤمن يوم القيامة من حسن الخُلق، وإن الله يبغض الفاحش البذيّ " رواه الترمذي، وقال حسن صحيح.
وهذا إن دلَّ على شيء فإنما يدل على أن الأخلاق الكريمة هي الهدف الأسمى من الرسالات السماوية .. لقد جاء المبعوثون بكثير من هذه الأخلاق وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتمم مكارمها .. وإذا كانت مكارم الأخلاق هدف الأنبياء فمعنى ذلك أن تكامل الإنسان هو الهدف الأسمى من خلقه و لا يكون إلاَّ بواسطة التحلّي بهذه الأخلاق ..
الفساد الأخلاقي
والمقصود به ارتكاب واحدة أو أكثر من جرائم الكذب والخيانة والتزوير والسرقة والقتل وانتهاك حقوق الناس وأعراضهم ، وتوجيه المجتمع باتجاه الفساد والإنحلال الأخلاقي وغيره
إن من أهم المبادئ السامية التي دعا إليها الإسلام وشدد عليها بقوة التحلي بمكارم الأخلاق التي تكسبه احترام ه لنفسه و احترام ومحبة الآخرين له .
ويكادالفساد الأخلاقي يكون أكثر وضوحا في المجتمعات كونه يرتبط بالحريات الخاصة وتصرفات الافراد ويتمثَّل بمجمل الانحرافات الأخلاقية المتعلقة بالسلوك الفردي في إطار المعاملات .. وانتهاكه للقوانين الشرعية والأخلاقية التي يدين بها المجتمع يتجلى ذلك في القيام بإعمال مخلة بالآداب ومخجلة .. أو التعرض للحريات العامةوانتهاك الحرمات، وكثيرا ما ينتشر في الأوساط التي تعاني من ضعف الوازع الديني ، مما يؤثر إجتماعيا وسياسيا ..
من المسؤول عن الفساد الأخلاقي .. ؟
وأول مسؤول عن الفساد الأخلاقي هو الأسرة: باعتبارها الحجر الأساس والدعامة القوية والمدرسة الأم التي يتلقى فيها الإنسان التربية الحسنة ويتعرف من خلالها على الجيد والسيء والصالح والطالح والواجب والممنوع والمسموح والمرفوض ..وغير ذلك من الأمور، لكنها قد تصبح سببا رئيسيا في ضياع هذا الإنسان عندما يغيب عنها الوازع الديني وتنعدم فيها شروط الإحساس بالمسؤولية والأمن والسلام داخل الأسرة والمجتمع ، باعتبار الأسرة مجتمع صغير يهيؤنا للتعامل والتعايش في المجتمع الكبير ..
ثم هناك معاشرة أصدقاء السوء ، والتي قد يلجأ إليها الإنسان اليائس أو الذي يشعر بنقص داخل الأسرة أو إضطهاد أو خلل تربوي ، وذلك إما بحثا عن الدفء والأمان اللذين افتقدهما أو هروبا من المشاكل التي يعجز عن حلها ، فيحاول نسيانها رفقة أصدقاء اختارهم بمحض إرادته ودون تفكير في العواقب ، إذ يتم استغلاله وإغراءه بوسائل شتى قد تكون لها نتائج خطيرة عليه وعلى الأخرين من حوله .. كالتدخين وشرب الخمر والتعاطي للمخدرات .. وغيرها من الأعمال السيئة .. فيغيب العقل ويشيع الفساد وتكثر الجرائم ، لأنه يصبح مضطرا للكذب والسرقة والإجرام من أجل تحقيق رغباته الدنيئة والشنيعة والحصول على ما ابتلي به ..
ولا ننس مشاهدة القنوات الفضائية الماجنة التي أغلبها مشاهد ومغريات تخل بالمبادئ والأخلاق الفاضلة وتنسي الإنسان تعاليم الدين الإسلامي ، وتفقده احترامه وكرامته ، وتبعده عن طريق الحق والفضيلة ..
كما أن التشبه بالغرب في عاداتهم وفي طريقة عيشهم ولباسهم وكلامهم وتعاملهم وتصرفاتهم اللامشروطة ، باسم الحضارة والتقدم ، من الأخطاء الكبيرة جدا التي تفسد الأخلاق والمجتمعات وتفقدنا المصداقية وكرامة الانتماء ..
هده الأسباب وغيرها ، تساهم في تفشي الفساد الأخلاقي والرذيلة في المجتمع ويكون لها أثر كبير على الأفراد والجماعات .. كيف تريد لأمة أو شعب أن يتقدم وهو يعاني من الإنحلال الأخلاقي وعدم استشعار أبنائه المسؤولية اتجاه أنفسهم ووطنهم .. !؟ إنه لمن المؤكد أن فساد الأخلاق يؤدي إلى شيوع الفاحشة والزنا والظلم والسرقة والإجرام والابتزاز والتحايل الإقتصادي والسياسي بكل أنواعه .. الفساد الأخلاقي هو أساس فساد الحكم والإدارة في المجتمعات .. هو أساس كل المتناقضات في كل المجالات .. وهو أساس تفشي الفقر والمجاعة ..
وقد ساهمت التكنولوجيا مساهمة كبيرة في تفشي الفساد الاخلاقي وآلياته ، وتطور سبله .. فالشبكة العنكبوتية أصبحت دارا للدعارة .. لارقابة عليها .. حرية بشعة تنتهك حرمات البيوت دون إحساس بالذنب أو شعور بجسامة الخطإ والخطيئة ..
فما السبيل إذن للحد من تفشي هذه الظاهرة الخطيرة وما هي الحلول الكفيلة لمعالجتها ؟ أنتظر منك عزيزي(تي) القارئ(ئة) اقتراح حلول ناجعة والعمل على تعميمها إسهاما منك في الإصلاح ومحاربة الفساد في شعوبنا الإسلامية ..
قال تعالى في محكم كتابه : " كنتم خير أمة أخرجت للناس تامرون بالمعروف وتنهون عن المنكر .." سورة آل عمران الآية 110
أسأل الله الصلاح لي ولكم وأن يعيننا على نبد الفساد ومحاربته
سيدة الكلمات
فاطمة امزيل